🇧🇴 في الكمين البوليڤي، رخصك يازميلي!

🇧🇴 في الكمين البوليڤي، رخصك يازميلي!

بينما كنت لازلت على الطريق الوطني الثاني La ruta nacional 2 في الطريق لبحيرة تيتي كاكا وجدت جوسقاً (كشكاً) على جانب الطريق فظننته إحدى نقاط تحصيل الماوت (رسوم استخدام الطريق) وكنت ممسكًا ببعض قطع النقد المعدنية الجاهزة لهذا الغرض، فإذا به شرطي بملابس رسمية ويسألني عن رخصي! فاندهشت أنه بالأمس لم أُسأل عنها أحد عند الحدود مع الپيرو رغم إني كنت تائه وأسأل عن تيواناكو ودلني شرطي الأمس في منتهى اللطف على الطريق، لكن شرطي اليوم شكله كدة مش مريح، ولما أظهرت له رخصتي -الألمانية المستبدلة عن رخصتي البلجيكية الضائعة- وجدته يسألني عن رخصتي الدولية! وأنا بصراحة عمري ما حملت رخصة دولية مكتفياً بواحدة من رخص القيادة الأربع التي حملت في حياتي، وحتى في دول تقود بالعكس كبريطانيا وجنوب أفريقيا وماليزيا لم يطلب في أي منها مني مثل تلك الورقة/البطاقة المسماة رخصة دولية، فتيقنت أنها حيلة قانونية من الشرطي (لتسليك) مبلغاً من المال من الخواجة الكروديا الذي بين يديه! وبالطبع أدخلني معه الكشك المعدني بعدما طلب مني أن أركن السيارة، ففهمت إنه عاوز فلوس ودخلت الكشك المعدني معه وفي مخيلتي صور mugshot واحدة پروفايل وأخرى بالوجه حاملاً رقماً على لافتة وكدة قلت وماله ما بيل جيتس عنده مخالفة مرورية، وطردت الصور التخيلية وقلت أركز في الموضوع، والسلامة هنا تقول باثنتين، الأولى تعمل عبيط وليس بالضرورة تظهر أنك تفهم كل شيء وتظهر السذاجة -فلست حمل التضحية بأوراق نقد أخرى في هذه الظروف- والثانية أن تعط له پريستيچه وأنك متفهم لواجباته لكن في خمسة أيام كما تعلم سيادتكم لن أستطع استصدار مثل هذا الشيء الذي لم يخبرنا به أحد في شركة تأجير السيارات ولا ورقة الإرشادات التي توزع بالطائرة قبل الهبوط مثلاً وبعد تكرار أنني لم أفهم الجمل الأخيرة التي دارت حول غرامة والذي منه وأن ألمانيا -مثلها مثل إسپانيا-لا تنتميان للميركوسور (تجمع دول أمريكا اللاتينية الاقتصادي) ومن ثم فرخصهما ليس عليهما تأمين ضد الحوادث…بلا بلا المهم مع إصراري على تحدث الإنجليزية أو الألمانية في بعض المواطن بحجة أنني لا أفهم القشتالية بالقدر الكافي، فقال لي بعد استيقاف دام عشر دقائق ولم يستطع إخراج سينتابو أو بوليبيانو من هذا السائح المفلس (الأشفور) فقال لي إذاً فاذهب إلى مقصدك، واستمتع بزيارتك (خلينا نشوف شغلنا)! فشكرته وحييته في ودٍ، ومشيت حامداً الله على نجاتي من هذا الموقف السخيف منتصراً وبعد عشرين دقيقة فقط من حادث طفيف كادت تفقدني مرآتي الجانبية من عربة نقل يقودها بهيم يزاحم في الطريق -وما أكثرهم هنا- لدرجة أنني أحسست أن مصر بمرورها -والعياذ بالله- أم النظام مقارنة بما تراه هنا، فالمرور البوليڤي لا تحكمه قواعد المرور المتعارف عليها قدرما تتحكم فيه قوانين الحركة البراونية للجزيئات! ومن طرائف ما شاهدت فوق سيارة نقل تحمل أدوات حفر أو بناء من جواريف وخلافه لكن ما هذا برميل من حديد به قار يسال (زفت مغلي) فوق عربة النقل ومن تحته لهب! فأسرعت في تخطيه صارخاً فوق مرتفعات جبال الإنديز يا مصر يا أم النظام! أما بحيرة تيتي كاكا الأكثر ارتفاعًا على كوكبنا وتمتد بين الپيرو وبوليڤيا مثلها مثل بحيرة ناصر بين مصر والسودان فكلاهما بحيرات عذبة، فرغم معانتها من تلوث بسيط إلا أن الطبيعة حولها جميلة وخلابة والرعاة يمشون بخرافهم وأبقارهم وحميرهم وخنازيرهم، ولأول مرة كنت أرى هذه الحمير طويلة الشعر والخنازير بنية اللون في البداية ظننته عجلاً صغيراً، لكنه كان خنزير ليس وردياً ولا أسوداً (الألوان المعتادة لدينا في أوروبا) معدية مضيق Tiquina التي تؤخذ حتى تستكمل الطريق لكوباكابانا، الأول فكرت بسذاجة في تلك المعدية عند مدينة كيل الألمانية للعبور لكوپنهاجن بالدانمرك، والتي تحمل أتوبيسات وسيارات المسافرين بل وحتى قطاراً كاملاً من طراز ال ICE الذي يزن وحده بدون ركابه فوق الربعمائة طن! وصلت تيكينا لأجد معديات بسيطة جداً أشبه بحوض خشبي ذي ضلع ناقص يحتوي سيارتين أو باص وسيارة صغيرة على الأكثر تنقلك إلى الضفة الأخرى بأربعين بوليبيانوس (خمس يوروهات ونصف) ثم الجزء الأفضل من الرحلة بالمركب البخارية حتى جزيرة الشمس Isla del Sol تمخر عباب البحيرة لساعتين وأربعين دقيقة مقسمة على الاتجاهين وهذه تكلف ثلاثون بوليبيانوس في الاتجاهين (أقل قليلًا من أربعة يوروهات) أي لو قسمنا تكلفة المعدية على اثنين أو ثلاثة مثلاً فتصير تكلفة الرحلة الجبلية/البحرية في هذا الجمال ستة أو سبعة يوروهات للفرد بالإضافة للبنزين! ونصيحة مهما كان الجو حارًا فلتصطحب جاكت محترم أو على الأقل پلوڤر في حقيبتك، خاصة وإن قررت مثلي في طريق العودة أن تجلس فوق المركب، والتي ما ان تحركت تنسى تماماً فكرة الرياح الآن اشتدت فسأنزل لداخل المركب، لأن سلمها بسيط جدا ولا يستخدم إلا في حال ثبات المركب وبحرص شديد ألا تنزلق أما لو حاولت هذا والمركب في حالة الحركة فأنت واقع لا محالة في عمق بحيرة من الماء العذب على ارتفاع أربعة آلاف متر فوق سطح البحر صحيح ليس بها سمك الپيرانيا المتوحش والمعروف بمنطقة الأمازون، لكن يكفي أن تعرف أن الضفادع التي تعيش بها وحولها يصل وزنها لكيلو جرام كامل!

#بن_فضلان_في_بلاد_البوليڤيان