top of page

🇿🇦 الرحلة إلى أرض سفالة وبلاد واق الواق ٣ الطريق إلى كيپتاون/رأس العواصف

  • Writer: Mostafa Farouk ابن فضلان
    Mostafa Farouk ابن فضلان
  • Aug 15, 2020
  • 5 min read

Updated: Oct 30, 2020

حذرني جاري مايكل أن أمر بها في طريقي وكذلك مضيفتي، وبالفعل لم تكن هناك نية للمبيت بها لكن لأن الطريق من جوهانسبرج للكيپ يحتاج خمسة عشر ساعة قيادة تقريبا يستحيل إنجازها في مرة واحدة فاضطررت للمبيت...


الرحلة إلى أرض سفالة و بلاد واق الواق ٣ الطريق إلى كيپتاون/رأس العواصف


أما حين وصلت هنا الحمد لله كل من قابلت من أول السيدة التي أجرت منها شقة ال AirBnB في جوهانسبرج لجاري، السيد مايكل لأناس في الشارع لا أعرفهم أو ناذلي المطاعم، كلهم كانوا في منتهى البشاشة واللطف ومبادرين في المساعدة!

بل حتى أناس أقابلهم في محطات الوقود غاية في اللطف، لمجرد أن عرفوا أنني سائح هنا فتجدهم يقترحون عليك أي الأطعمة يجود في هذا المكان أو عليك تجربته، لكن تحس أن الناس هنا كعادة بلاد المهجر منفصلة ومنعزلة عن باقي الدنيا بعض الشيء أو لنقل لديهم بساطة، فالناس تعرف أنني "جارهم من الشمال قليلاً، من مصر" -كما اعتدت تقديم نفسي هنا، لكن يندهشون أنني أتحدث معهم بالأفريكانز، فتسألني بأي لغة نتحدث بها في مصر مثلاً؟! فأجيب "بالعربية، سيدتي!" فتندهش أكثر، فأزيل دهشتها بأنني بلجيكي أيضاً لذا أفهم الأفريكانز! :))

أو مثلاً حينما سألت عن صوت آذان العصر المنبعث في شارع البرازيل وإذا ما كان هناك مسجد قريب، فقيل لي نعم هناك muslim church (كنيسة مسلمين) قريبة، على أساس أن أي بيت صلاة هو كنيسة بغض النظر عن تفاصيل لا يلمون بها ومع هذا دلني أحدهم شكله آسيوي -كان يرتدي قلنسوة من النوع الذي اعتاد مسلمي القوقاز ارتدائه (تيوبيتيكا Тюбетека)- على مطعم هندي يبيع الطعام الحلال، ومع كل هذا لم يكن مسلماً لكن تحس أن الناس متسامحة ومتعايشة رغم الكم الهائل من الكنائس المتنوعة لأديان الپروتستانت وطوائفهم وكنائس المسلمين (المساجد) والتي هي كبيرة وعديدة وآذانها جهري يسمع في الشوارع، فالمسلمين هنا ليسوا فقط منذ دخول البرتغاليين والهولنديين بل هو أسبق من دخولهما كما أشرنا، والحي الأقرب للميناء في مدينة الكاب وهو الأقدم بها هو لمسلمين من أصول هندية وآسيوية ومختلطة بأفارقة ويتميز بمنازل ذات ألوان مبهجة وعديدة (ألاجه) (حاجة آخر ألاجه، كما اعتاد أجدادنا وصف المبرقش والكثير الألوان وصفها باللفظ الفارسي القديم) مما جعلها مقصداً للسائحين.


كولسبرج المملة من وجهة نظرهم:

حذرني جاري مايكل أن أمر بها في طريقي وكذلك مضيفتي، وبالفعل لم تكن هناك نية للمبيت بها لكن لأن الطريق من جوهانسبرج للكيپ يحتاج خمسة عشر ساعة قيادة تقريبا يستحيل إنجازها في مرة واحدة فاضطررت للمبيت - وإن كنت قطعت مسافة أطول منها من ألمآتا عاصمة كازاخستان حتى مدينة بخارى في أوزبكستان لكنني لم أكن سائقاً - أما هنا فالطرق جيدة جدا، غرب أوروپية المستوى لكنها غير مضيئة كالأوتوبآن الألماني والمصيبة هي أن القيادة كلها على يسار الطريق مثل بريطانيا، وإن جئتم للحق المرور أصله كان كدة من أيام تنظيم الشوارع في روما القديمة وهذا راجع إلى عادة إمساك السيف باليمين وسرع الجواد أو العربة باليسرى حتى إن نازلك شخص أو حاول مهاجمتك من شارع جانبي مثلا فتكون مستعداً له ولم يقلب كيان الشوارع واتجاه المسير سوى ناپوليون في كل الدول التي استطاع السيطرة عليها فظلت بريطانيا في مأمن عن شقلبة الكيان التي اعتدناها وكذلك بلاد الكومنولث التي أخذت بنظام المرور الإنجليزي، ومن شقلبات الفرنسيس كذلك وضع أزرار القميص يساراً على اليمين أيضا كان بسبب السيف حين كان يسحبه الجند فكان يضايقهم أو يحد من سرعتهم وضعية الأزرار الأصلية (اليمين على اليسار، مثل بلوزات النساء اليوم) فتم تفصيل سترات الجند والبزات العسكرية والقمصان الرجالية يساراً على اليمين ثم امتدت للملابس المدنية كذلك وبقيت ملابس النساء على حالها.

يشاء العلي القدير أن أتوقف رغم الحذر ألا أفعل وأبيت في نزل في هذه المدينة المملة، ودفعني فضولي لاكتشاف مللها المزعوم، فوجدت أن الزمن قد توقف بها مائة وخمسين عاماً تقريباً إلى ما قبل حرب البوير حيث كانت سيطرة شبه كاملة للسكان ذوي الأصول الهولندية (البوير De Boeren الفلاحون) ولغتهم الأفريكانز het Afrikaans والكنيسة القديمة de oude kerk بوسط ومركز المدينة وكذلك الشارع الرئيسي اسمه kerkstraat أو church street وشوارع صغيرة أخرى تناسب عربات الخيول وظلام يجعلك ترى النجوم بوضوح فتلمست طريقي لمطعم لتناول العشاء فأجده أشبه بحانة من العصر الڤيكتوري وكأنك وقعت في أحداث رواية محاكمات ساحرات سالم Salem Witch Trials لآرثر ميللر Arthur Miller أوأنك قد صرت بطلاً لاحدى روايات چين أوستن، فتحسست سوالفي لعلها قد نمت أو أن قبعة اسطوانية اعتلت رأسي لأخلعها أمام باب الحانة أو المطعم!

أما صاحب المطعم الهولندي يحمل لحية أبراهام لنكولن ويرتدي بنطالاً بحمالات والفتيات الأفريقيات الصغيرات ناذلات بمرايل وغطاء رأس امتازت به الريفيات الهولنديات مثل طنط آنتيه Mevrouw Antje التي تعرفها من اعلانات جبن الخاودا Gouda أو سمك الماتييس المملح Matjes فناولتني إحداهن قائمة الطعام من الجلد المبطن مكتوبة بخط قديم وقصاصات من جرائد من القرن التاسع عشر وكذلك السقف ذو العروق الخشبية والإضاءة ذات مصابيح الجاز كل هذا نقلني في عالم آخر تماما، أنا قلت بس شكلي وقعت يابرنس مع جماعة الآميش Amische أو التكفير والهجرة بتوع الپروتستانت من الپوريتانيين الأصوليين المسيحيين Puritans ولهذا لا يحبون هؤلاء الأغراب المبتدعة بتوع چوهانسبيرج ولا بتوع چوهانسبيرج بيحبوهم لأسباب تاريخية أستعرضها لاحقاً، قلت مافيش مشكلة أنا آكل في صمت وانصرفوا في سلام راشدين ولو الرجل جاء يدردش معاك يبقى مصلحة!

وسبحان الله وكأنه يقرأ أفكاري أو لعله وجهي غير المألوف لهذه المنطقة أو القرية الكبيرة فجاء يستطلع أمر هذا الغريب , وبعد حديث قصير أكتشف أن الرجل شخص لطيف جداً وتعرف إلينا وظن في باديء الأمر أنني من دولة الامارات - مسكين اتخدع في السيارة الدفع الرباعي الجديدة بالخارج, فقلت في سري هذه ايجار يا مسكين فأنا في بلدنا لا أقود سوى دراجة هوائية :D - فنفيت تخمينه لأصحح بأنني جاره لكن من الطرف الآخر من القارة من القاهرة، وأن رحلتي هذه كانت حلم لديي منذ زمن لكن لم تتيسر لي من قبل وأبلغته تحذير جيراني الجوهانسبرجيين من التوقف هنا خشية الملل لكنني سعيد بهذا الصدفة وأظن أن المرة القادمة سآتي لكوليسبيرج قاصدا لا صدفة واتفاقاً!

ودي أول مرة آكل على لمبة جاز منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً أيام زياراتي الريفية كطفل لأقربائنا في الريف المصري، لكن ريف جنوب افريقيا الهولندي لا يعرف المشلتت والبيض البلدي بالسمن والعسل والجبن القديم وإنما حساء الإرفتنسوپ Erwtensoep (شوربة خضار مع بازلاء مضروبة متجانسة، بالكاد تتعرف على مكوناتها) وشريحة لحم البقر T-Bone مع البطاطس والسلاطة وجعة جنوب أفريقية 0,0 والليلة دي كلها ماكملتش 180 راند على بعض! (حوالي 10,50 يورو) أصلاً ده ممكن تدفعه في أي مدينة ألمانية في السلاطة وحدها في محل ستيك جيد! يبدو إن الأسعار في كولسبيرج توقفت كذلك عند حقبة المطعم وهذه المدينة "المملة" التي هي أقرب للريف منها للمدينة كانت لي بالنزل البسيط المريح في بيت من الكولونيال ستايل والذي ليس به واي فاي، ولا حتى انترنت بسلك وعندي احساس لو سألتهم عن هاتف فسأجد في هذا المنزل تليفون بمنافلّا (ذَا عمود يدار يدويا دائريا حتي يصلك بعامل السنترال الذي تبلغه بالرقم الذي تريد الاتصال به) وحين اضطررت لشراء إنترنت إضافية من أجل الملاح GPS واستكمال المسير كلهم دلوني على محل "حمزة" البنغالي والذي أخبرني بأن هناك مصري آخر يعيش في كوليسبيرج منذ عشرة أعوام لكنه في زيارة لمصر فأقرأتهما السلام وأكملت رحلتي على طريق چوهانسبيرج - كيپ تاون حيث الجبال وحقول القمح والساڤانا الفقيرة والتي يطل عليك منها حيوانات متوقعة من أبقار وأغنام وغير متوقعة كقردة الپاڤيان والنسانيس والنعام.


سكان چوهانسبيرج أغلبهم من الأغراب الذين قدموا من أجل التنقيب عن الذهب على إثر المغامر الأسترالي جورج هاريسون 1886 الذي اكتشف أكبر منجم للذهب في العالم ساعتها وكانوا متحررين ولهم أسلوب آخر في الحياة ليس به أي تدين أو استقرار (الخمور، وألعاب الحظ، والدعارة) على بعد 60كم فقط جنوب پريتوريا المحافظة وهذا تماماً عكس أسلوب حياة طبقة المزارعين التي تقدس الاستقرار من الپوريتانيين الكالڤينيين في ولاية الترانسڤال الذين أسموها بدورهم Sündenbabel (بابل الخطيئة) فظلت هي وأهلها مدينة الخطيئة أو ال Sin city لأهل الترانسڤال وتطورت المناكفة السياسية بينهما في إقرار القوانين في البرلمان بعدما صار مغامرو تنقيب الذهب رأسماليين مركنتيليين مقابل المزارعين المحافظين المسيطرين على الحكم في بريتوريا


Comments


10 resons2Travel

© 2020 Created by Ibn Fadlan

  • Facebook
  • Twitter
  • Trip Advisor
  • Instagram
  • YouTube
  • Vkontakte
  • LinkedIn
bottom of page