🇿🇦 🇲🇿 الرحلة إلى أرض سُفالة وبلاد واق الواق١
- Mostafa Farouk ابن فضلان
- Aug 15, 2020
- 4 min read
Updated: Oct 30, 2020
ويصف بربوسا المدينة ومدى رقيها وازدهار اقتصادها: ما إن وصلت سفن فاسكو دا جاما إلى سُفالا حتى فوجئت بما لم أكن أتوقعه فقد وجدنا موانئ تطن كخلايا النحل ومدناً ساحلية عامرة بالناس وعالما تجاريا أوسع من عالمنا

خريطة الإدريسي بالمساقط العربية حيث كان العرب يرسمون الجنوب فوق والشمال إلى أسفل
بعدما أهملت افريقيا في رحلاتي السابقة التي بلغت ست وأربعين دولة ولم يكن من بينها دولة إِفريقية واحدة، تنبهت لتقصيري في حق قارتي، التي ولدت وأفخر بها كثيراً فجعلت الدولة ال47 التي أطأها هو المغرب الحبيب في عيد الأضحى الماضي في أقصى الشمال الغربي للقارة وكانت الحمد لله ماتعة ناجحة ومن ثم مشجعة على استئناف زيارات للدول العربية والتي كنت توقفت عنها منذ تسع سنوات. واليوم آتي لزيارة الطرف الآخر من القارة أقصى الجنوب الشرقي، حيث بلاد سُفالة -بضم السين لا فتحها- كما ذكرها المسعودي في مروج الذهب, أو بلاد موسى بن البيك (موسى مبيكي) أو ما نطقه الپرتغاليون Moçambique فتجلنزت الكلمة إلى Mozambique وعلى إثرها الاسم العربي الجديد موزمبيق ليضيع اسم الرحالة والحاكم المسلم الأخير لهذه الدولة التي حملت اسمه قبل دخول الاستعمار الپرتغالي لكن قامت احدى الجامعات UMB (Universidade Mussa Bin Bique) مؤخرا بتخليد اسمه في صيغته العربية في مدينة نامپولا بالشمال الموزمبيقي حيث يتركز السكان المسلمون (حوالي خمس السكان) ، وقد سبق بن البيك في حكمها 49 سلطانا من البويهيين من نسل الحسن الشيرازي الذين هربوا من ملاحقة السلاچقة الأتراك لهم، وامتدت سلطنة كلوة الإسلامية من مقديشيو شمالاً حتى سُفالة جنوباً مروراً بمُمباسا Mumbasa وزنجبار Zanzibar، حتى قبيل وصول الپرتغاليين لها بداية القرن السادس عشر . ومما ذكره القزويني عنها: "أهل سفالة وهم سودان يأتون ويتركون ثمن كل متاع بجنبه، والذهب السُفالي معروف عند تجار الزنج. وبها الحواي -أظنه يقصد طائر البيو Beo/Gracula religiosa - وهو صنف من الطير يعيد ما سمع بصوت رفيع ولفظ صحيح أصح من الببغاء، ولا يبقى أكثر من سنة، وبها ببغاء بيض وحمر وخضر، وقال محمد بن الجهم: رأيت قوماً يأكلون الذباب ويزعمون أنه دافع للرمد ولا يرمدون شيئاً البتة" ووراء هذا الذهب السُفالي ركض الپرتغاليون فما برحوا أن يصلوا لرأس العواصف Cabo das Tormentas كما أسماها بارتولوميوس دياس (الرحالة الپرتغالي نفسه، لما وجد هناك من أهوال كادت تفتك به وسبعين من رجاله ماتوا بالإسقربوط) أو فيما بعد كما أسماها يوحنا الثاني الپرتغالي Cabo da Boa Esperança رأس"الرجاء الصالح" (أو "الطالح" من وجهة نظر المتضررين من أهل مصر والبندقية، لقطعها احتكارهم لطرق التجارة العالمية آنذاك) إلا واتجهوا شمالاً لبلاد موسى بن البيك (أرض سفالة) لظنهم أن بها مناجم ذهب الملك سليمان، وأن ملكة سبأ كانت من هناك وفق أحد تفسيراتهم التوراتية -والتي اختلطت ولا شك بقصص البحارة في زمانهم حتى صارت أشبه بأسطورة الدورادو التي راجت وسط جيرانهم ومنافسيهم القشتاليين (الإسپان) عند احتلالهم لكولومبيا من العالم الجديد- وأسسوا قلعة ستّنا أو سيدتنا على اسم بلدية صغيرة بالقرب من مدينة بورتو البرتغالية- Fotaleza de nossa senhora da Conceição في ماپوتو لتصير مركزاً لتجارة العبيد الرائجة والذين يحتاجونهم في العالم الجديد لأعمال الزراعة والإعمار. ويقول المؤرخ الپرتغالي "دوراتي باربوسا" -وهو بالمناسبة زوج أخت ماجلان وكان أديباً ومترجماً من الملايالم للبرتغالية ولد في لشبونة وتوفي بالهند- في وصفه لها عندما وصلها في القرن السادس عشر: "بدت المدينة من سفننا جميلة ببيوتها البديعة ومآذن مساجدها وبساتينها مما جعل رجالنا يتشوقون للإستيلاء عليها"، وقد تحققت هذه الأطماع باحتلالها من قبل الپرتغاليين عام (910هـ/1505م) ويستكمل بربوسا وصف مدينة (سُفالا) ومدى رقيها وازدهار اقتصادها فيقول: "ما إن وصلت سفن فاسكو دا جاما إلى سُفالا حتى فوجئت بما لم أكن أتوقعه فقد وجدنا موانئ تطن كخلايا النحل ومدناً ساحلية عامرة بالناس وعالما تجاريا أوسع من عالمنا" لذا كنت دائما ما أمقت كلمة "حركة الكشوف الجغرافية" فما هي إلا تجميلاً لحركة استعمارية لصالح الغرب تماماً كالحملات الصليبية، بإعترافهم أنها كانت بلاد آمنة وعامرة وغنية اقتصادياً وحضارياً ولم تكن تحتاج "لاكتشافها" من أي أحد وخاصة من الپرتغاليين ومنافسيهم الإسپان ثم خلفائهما في الملاعب الهولنديون والإنجليز والفرنسيس والبلجيك والألمان والطليان! عن بلاد واق الواق ظن البعض لفترة أنها الياپان لأن اسمها في الكانتونية (الصينية التقليدية المنتشرة جنوباً) wok wok وأول من روج لهذا الألماني C. M. Habicht بعدما أنجز ترجمته لألف ليلة وليلة عام 1825، لكن حسم الأمر العلامة M. Hall المتخصص في ثقافة الجنوب الإفريقي بأن اسم الواقواق هو ما تطلقه قبائل البانتو Bantu على جيرانهم البوشمن Buschmänner ، وكأن العرب يعوزهم أن يطالعوا خريطة الإدريسي المرفق منها الجزء الخاص بإفريقيا بأعلى المقال، أو حتى قراءة كتبهم التراثية والتي بها وصف دقيق لهذه البلاد.
الدوران حول افريقيا: الطريف أن لا الپرتغاليون ولا الهولنديون من بعدهم هم أول من وصل لكيپ تاون كما اعتاد الأوروپيون الجدد ترديد القصة أو حملوا العالم على الإعتقاد بذلك، فلقد ذكر هيرودوت في تاريخه حادثة إرسال ملك مصر نخاو الثاني Necho II من الأسرة السادسة والعشرين Dyn. XXVI العصر الصاوي أسطوله مع ملاح فينيقي للدوران حول افريقيا في عام 596 ق.م. وقطعوا المسافة في عامين حيث أبحروا من القلزم (السويس الحالية) Suez وعادوا من أعمدة هرقل Pillars of Hercules/Säule von Herakles (الاسم القديم لمضيق جبل طارق Gibraltar) وكان البحارة مندهشين لشروق الشمس من على يسارهم بدلاً من على يمينهم كما تعودوا طيلة حياتهم، وكذلك أتبعهم هانّو الملاح (حانون القرطاجي) بمائتي عام تقريباً برحلة مناظرة لكن من الغرب إلى الشرق (عكس عقارب الساعة) (الصورة خريطة الإدريسي بالمساقط العربية حيث كان العرب يرسمون الجنوب فوق والشمال إلى أسفل)
Comments